الركود التضخمي

الركود التضخمي| الكابوس الاقتصادي!

تجمع الركود مع التضخم يشير إلى حالة اقتصادية تتميز بتراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم في نفس الوقت. هذا السيناريو يعتبر تحدًا كبيرًا للسياسات الاقتصادية والمؤسسات المالية، حيث يصبح من الصعب على السياسيين والمركزيات المالية معالجة الأثرين السلبيين لكلا العوامل.

عادةً، يحدث الركود عندما ينخفض النشاط الاقتصادي بشكل عام، مما يؤدي إلى زيادة في معدل البطالة وتراجع في الإنتاج والاستثمار. ومن ناحية أخرى، يحدث التضخم عندما يزيد التوازن بين العرض والطلب في الاقتصاد عن حدوده الطبيعية، مما يؤدي إلى زيادة في أسعار السلع والخدمات.

ماهو الركود التضخمي؟

الركود التضخمي هو حالة اقتصادية تتميز بتباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة مستوى التضخم والبطالة في نفس الوقت. ويمكن تعريفه بأنه حالة من التضخم المصحوبة بانخفاض الناتج المحلي. عادةً ما يحدث الركود التضخمي عندما يتم توسيع العرض النقدي في حين يكون العرض مقيدًا.

هذا التجمع غير المنطقي من الركود والتضخم ليس غريبًا في النظريات الاقتصادية، حيث كان يُعتقد أن هناك علاقة عكسية بينهما. ومن المفترض أن يترافق ارتفاع معدلات التضخم بانخفاض معدلات البطالة، ولكن في السبعينيات والثمانينيات تحطمت هذه الافتراضات، حيث شهد الاقتصاد الأمريكي والأوروبي ارتفاعًا في معدلات التضخم مع ارتفاع معدلات البطالة. وقد تم تحليل الأسباب المحتملة لحدوث الركود التضخمي في ذلك الوقت، ولكن لا يزال هناك جدل بين الاقتصاديين حول ذلك.

الركود التضخمي في القرن العشرين

في الستينيات، ظهر مصطلح الركود التضخمي للمرة الأولى في المملكة المتحدة. تعرضت المملكة المتحدة لمشكلات التضخم في تلك الفترة، ولكن الاقتصاديين لم يعترفوا بدور السياسة النقدية في مكافحة التضخم. تم استخدام سياسات غير نقدية للتعامل مع الأزمة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير.

تم استخدام مصطلح الركود التضخمي مرة أخرى في السبعينيات بعد أزمة أسعار النفط، حيث شهدت الولايات المتحدة نموًا اقتصاديًا سلبيًا في الناتج المحلي الإجمالي لخمسة أرباع. ووصل معدل البطالة إلى 9٪ في عام 1975، ووصل معدل تضخم أسعار المستهلكين إلى 14٪ في عام 1980.

تم ربط حدوث الركود التضخمي بأسعار النفط والتلاعب في العملات، بالإضافة إلى ضغوط النقابات لزيادة الأجور. كما لعبت السياسات النقدية للبنك الفيدرالي دورًا كبيرًا في ذلك، حيث زادت الكتلة النقدية وزاد الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على الحروب في تلك الفترة.

منذ ذلك الحين، أصبح التضخم شرطًا عامًا للاقتصاد حتى في فترات النمو الاقتصادي البطيء أو السلبي. وكل ركود معلن في الاقتصاد الأمريكي شهد ارتفاعًا مستمرًا في المستوى العام للأسعار.

أسباب الركود التضخمي

ما زالت أسباب الركود التضخمي مثار نزاع بين الاقتصاديين، وقد ظهرت عدة حجج لتفسيره وتوضيح أسباب حدوثه:

1.    ارتفاع أسعار النفط: تشير هذه النظرية إلى أن زيادة سريعة في أسعار النفط تؤدي إلى تقليل القدرة الإنتاجية للاقتصاد. على سبيل المثال، في عام 1973، حظرت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) تصدير النفط إلى الدول الغربية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا. هذا الارتفاع في أسعار النفط أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج وتكاليف النقل وتسليم السلع، وبالتالي ارتفاع الأسعار وانتشار البطالة. وفي نهاية العقد، حظرت الولايات المتحدة استيراد النفط الإيراني، مما أدى إلى ارتفاع مستويات البطالة بشكل إضافي دون اتخاذ إجراءات للتصدي للتضخم. ومع ذلك، يرى البعض المنتقدين لهذه النظرية أن صدمات ارتفاع أسعار النفط في السبعينيات لم تحدث في فترات الركود التضخمي التي تلتها.

2.    السياسات الاقتصادية السيئة: تشير هذه النظرية إلى أن التنظيم القاسي للأسواق والقوى العاملة والسلع في بيئة تضخمية يعد سببًا رئيسيًا في حدوث الركود التضخمي. يشير الاقتصاديون إلى سياسة الرئيس نيكسون في عام 1970 كمقدمة للركود التضخمي، حيث استمر في الإنفاق على الحرب في فيتنام وزاد الإنفاق الاجتماعي. ومع ذلك، حدث تحول اقتصادي عندما فرض قيودًا على الأجور والأسعار والتعرفات الجمركية على الواردات للحد من الارتفاعات الأسعار. ومع إزالة هذه القيود، حدث صدمة مفاجئة أدت إلى نقص النفط وزيادة المستوى العام للأسعار. تم التغلب على هذه الأزمة من خلال تبني رئيس الاحتياطي الفيدرالي سياسة انكماشية جريئة للسيطرة على التضخم، حيث رفع معدل الفائدة إلى ما يقرب من 19٪. ومع ذلك، يرى المنتقدون لهذه النظرية أنها تفسر الركود التضخمي في السبعينيات وليست قادرة على تفسير الركود التضخمي الذي حدث في فترات لاحقة.

3.    معيار الذهب: تشير هذه النظرية إلى العوامل النقدية التي تلعب دورًا في الركود التضخمي. فقد قام نيكسون بإلغاء اتفاقية بريتون وودز الدولية التي كانت تربط الدولار بالذهب وتربط العملات العالمية بالدولار. تم كسر الارتباط بين الدولار والذهب، وأصبح الدولار عملة ورقية تم تخفيض قيمته. وهذا أنهى القيود العملية على التوسع النقدي وتخفيض قيمة العملة.

يرجى ملاحظة أن هذه النظريات هي آراء مختلفة تقدمها الاقتصاديين لتفسير الركود التضخمي، وليست هناك نظرية مقبولة بشكل عام. قد يتم تطبيق أو عدم تطبيق هذه العوامل وفقًا للظروف الاقتصادية والسياسية الفردية.

تعليقات