تعيش الأسواق العالمية في زمن تحولات هائلة في ساحة العمل، حيث تسارعت وتيرة التكنولوجيا، وانغمست الشركات في ثورة رقمية ملحوظة. يتضمن مستقبل سوق العمل تغيرات جوهرية، ويتعين على الجميع أن يمتلكوا رؤية استراتيجية لفهم تأثيرات هذه التحولات.
تأتي في مقدمة هذه التحولات ثورة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في تحديث سوق العمل، ومن المتوقع أن يسهم التطور المستمر في هذا المجال في تعزيز الكفاءة وتحويل الطرق التقليدية للعمل. يتطلب المستقبل من المحترفين أن يكونوا على دراية بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وقدرتهم على التفاعل معها.
يُشير أيضًا إلى تأثير التكنولوجيا في تطوير الأعمال، حيث تتاح فرص جديدة لتطوير مختلف الأعمال عبر تحسين عمليات الإنتاج وتحقيق تواصل فعّال مع العملاء. بالإضافة إلى ذلك، تمنح منصات التواصل والابتكار التكنولوجي الشركات فرصة للابتكار وتحقيق تفوق تنافسي.
ومن بين التغيرات المستمرة، يبرز انتشار نماذج العمل عن بُعد، حيث شهدت تجربة العمل عن بُعد تقدمًا كبيرًا، ويُتوقع أن يظل هذا النموذج جزءًا أساسيًا من مستقبل سوق العمل. يتطلب هذا التحول اكتساب مهارات جديدة لإدارة الوقت والتواصل الافتراضي، ويفتح أفقًا للتنوع والتكامل بين الحياة الشخصية والعمل.
وفيما يتعلق بالتحديات المستقبلية الناتجة عن هذه التحولات، يتمثل التحدي الرئيسي في تطوير المهارات، حيث سيكون من الضروري تأهيل القوى العاملة لمواكبة تطور التكنولوجيا وفهم كيفية التفاعل معها. بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالأمان وحماية البيانات، حيث مع زيادة استخدام التكنولوجيا، يزداد أهمية الأمان السيبراني وحماية البيانات.
الذكاء الاصطناعي
في حلقة إذاعية نُشرت مؤخرًا عبر موقع صحيفة
"الفاينانشال تايمز" البريطانية، قدم خبراء تصوراتهم لمستقبل سوق العمل
في عام 2024. تركزت المناقشة بشكل أساسي على "الذكاء الاصطناعي"، حيث
أشار أندرو جونسون، محلل الأخبار الأميركي، إلى أنه "يبدو واضحًا أن الذكاء
الاصطناعي يلعب دورًا حاسمًا... إن هذا العام هو العام الذي تتحول فيه جميع
الأفكار التي قرأناها حول الذكاء الاصطناعي إلى تأثير فعّال على حياتنا المهنية".
العمل من المنزل
أما الملف الثاني، فكان يتناول مسألة العمل عن بُعد مقابل العودة إلى المكاتب. وعلق جونسون، مستشهدًا بالحالة في الولايات المتحدة، بقوله: "على الصعيدين الوطني والإقليمي في الولايات المتحدة، يظل عدد ركاب وسائل النقل العامة عند حوالي 77 بالمئة مقارنة بما كان عليه قبل الوباء منذ نوفمبر. وبالتالي، فإن نحو ربع الأفراد الذين كانوا يتنقلون إلى أماكن العمل قبل أربع سنوات لم يعدوا يفعلون ذلك".
وأشار إلى مجموعة بيانات أوردتها مجموعة Castle Systems، التي تختص في أنظمة الوصول إلى المباني، حيث قاموا بتقديم مقياس أسبوعي لإشغال المكاتب، وأظهرت البيانات أن نسبة الاحتلال ما زالت حوالي 50 بالمئة مقارنة بالحالة قبل الوباء، مع تباين واضح بين المدن المختلفة.
كما ناقشت الحلقة أيضًا دور النقابات العمالية في سياق علاقات العمل، خاصة بعد النشاط البارز الذي شهده العام الماضي من قبل النقابات في عدة دول.
تأثير إيجابي
يتفائل الخبير الاقتصادي بلال شعيب بتأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على سوق العمل في العام الجديد وفي المستقبل، حيث يرى أن هذه التقنيات تحمل فوائد ذات وجهين. يشير إلى أن التكنولوجيا تتسم بدقة أعلى وسرعة في إنجاز الأعمال، وبالتالي قد تؤثر على الأيدي العاملة المطلوبة في سوق العمل. مشيرًا إلى أن ما كان يتطلب عشرة أشخاص في وقت سابق يمكن إنجازه اليوم بواسطة شخص أو اثنين فقط.
ويوضح شعيب خلال حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تأثير التكنولوجيا سيكون إيجابيًا على مستوى الأيدي العاملة وفرص العمل بشكل عام. يبرز أن التكنولوجيا قد دخلت بقوة في مختلف مجالات الصناعة والتغليف، وقد أسهمت في حماية الأيدي العاملة من المخاطر التي كانوا يتعرضون لها. ويشير إلى أن حوالي 15٪ من العمال يتعرضون لمخاطر الإصابة أثناء العمل، خاصة في الصناعات الهندسية، ونحو 20٪ من العمال على مستوى العالم يعرضون أنفسهم للإصابة بأمراض ناتجة عن بيئة العمل. ويعتبر أن التكنولوجيا الحديثة يمكنها من تفادي هذه المخاطر.
من بين المزايا التي يشير إليها شعيب
لمستقبل سوق العمل باستخدام التكنولوجيا الحديثة، زيادة مستوى الإنتاجية وتحسين
معايير الجودة. بدلاً من تقسيم فترات العمل على مدار اليوم لتخفيف تعب العاملين،
يعمل الآلات بشكل مستمر لمدة 24 ساعة، مما يؤدي إلى تضاعف الإنتاجية والربحية،
وتقليل مخاطر التشغيل وتكاليفه.
أي انعكاسات سلبية؟
يتفائل الخبير الاقتصادي بلال شعيب بتأثير
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على سوق العمل، ويرى أن النظرة السلبية إلى هذه
التقنيات باعتبارها تسبب استبدال الآلة بالإنسان وبالتالي زيادة معدلات البطالة
تعتبر نظرة قاصرة. يوضح أن التكنولوجيا، على الرغم من تقليلها للاعتماد على الأيدي
البشرية، تفتح في الوقت نفسه أبوابًا جديدة لفرص العمل، كما هو الحال في مجال
التجارة الإلكترونية، حيث يمكن الآن بيع وشراء المنتجات بفضل تطبيقات التجارة
الإلكترونية دون الحاجة إلى أماكن عرض تقليدية.
التجارة الإلكترونية
يشير شعيب إلى أن التجارة الإلكترونية تعد بابًا واسعًا للعديد من الفرص الوظيفية، ويستعرض تطورات إيجابية في العديد من البلدان، بما في ذلك مشروعات صغيرة في بلدان ذات كثافة عمالية عالية. يؤكد على أن التكنولوجيا المالية أيضًا لها أهمية كبيرة في سوق العمل، حيث يمكن اليوم إجراء الوساطة والاستثمارات عبر تطبيقات الهواتف المحمولة وظهور البنوك الافتراضية.
ويستعرض المزايا الإضافية لاستخدام التكنولوجيا في سوق العمل، مثل الحد من التلوث وتحقيق أمان بيئي أكبر، والتصدي للتغيرات المناخية ونقص الموارد المائية. يركز على أهمية الابتكار في مجال التكنولوجيا لتحقيق التنمية المستدامة، ويشير إلى تجارب ناجحة في دول مثل الإمارات في استخدام الطاقة الشمسية كبديل للطاقة التقليدية.
وفي ختام حديثه، يؤكد على أهمية التكنولوجيا الحديثة في زيادة إنتاجية القطاع الزراعي والحفاظ على الرقعة الزراعية، مشيرًا إلى تجارب ناجحة في مصر باستخدام التكنولوجيا لتغطية الترع وتحسين استخدام الموارد المائية لزيادة الإنتاجية الزراعية.